Feb 6, 2013

على حافة الحياة

 Hope Hospital October 2012

طفلة صغيرة .. التهم المرض شهورها التسعة
وجعلها ممّدة بلا حراك على سرير المستشفى
تجلس والدتها بجانبها .. تمسح شعرها بلطف .. بخرقة مبتلة
لعل حرارة جسدها تهبط وتعود لتفتح عينيها وتلعب .. و تبتسم .. و تناغي ... و تمسك يد الأم ..

تعرف الأم فطرياً بلا أن يكون لها معرفة بالطب ... أنها فقدت طفلتها الى الأبد ..
ولكن الأمل .. و عاطفة الأمومة .. يرغماها على المواصلة ..
يأتي الوالد .. بإزاره القديم وبلوزته الممزقة .. و عينيه المكسورتين ..

يقف الأطباء حول السرير .. و أقف أنا معهم .. محاولة الهرب بعيوني في كل الاتجاهات عن عيون الأب الباكية ..
لقد فعلنا كل ما بوسعنا .. لا نملك المعدات اللازمة لنفعل المزيد .. تحتاج الى مشفى متخصص
تدور الدنيا بالأب ...  الرجل المحب لأسرته الصغيرة ..
ويتمزق في الاختيار .. بين طفلته التي تقع على حافة الحياة ..
وجميع ما يملك ...
أطفاله الجائعين في المنزل .. والدته العجوز ..
المنزل الصغير .. و طريق الوصول الى المدينة ..

بصيص من الأمل ... نبيعه نحن الأطباء في كلمه واحدة .. و يدفعون هم ثمن الخيار غالياً ..
أراه يتناقش مع زوجته .. تبكي و تحتضن طفلتها ..
يجلس الأب على حافة السرير .. بعيون خالية ..
 متجنباً النظر الى طفلته ... متجنباً سماع صوت زوجته الباكي ..
و كلمة واحدة تعبر عن المشهد .. العجز ...
فيطبق الفقر على روح بريئة أخرى ... 

Jan 31, 2013

أبعد من اللغة


استيقظت على صوت مألوف لدي ...
الله أكبر ...
تملأ حجرتي الصغيرة ... وضوء الفجر يتسلل عبر النافذة ..
خلعت عني قناع النوم و فتحت عيني لأتذكر بأني لست في سريري
بل في مكان يبعد آلاف الكليومترات عن البيت ..
اضاء قلبي بالحماسة و التوتر لبدء حياتي هنا ...

******************************

وصلت الى المستشفى
كان الجو حاراً و  المكان  بسيطا  الى حد كبير ولكن ابتسامات العاملين و ترحيبهم  خففا من توتري و حرارة الجو
أخذني جلال , مدير المستشفى الستيني الوقور في جولة و عرفني بالأقسام
قال لي : أعرف أنك متعبة من سفر الأمس , لذا لا تعملي اليوم اجلسي و تعرفي على المكان
جلست على أحد كراسي الانتظار .. انظر الى النساء بملابسهم البسيطة الملونة بكل الألوان

*****************************


Ramu,October 2012


طفلة سمراء.. اقتربت مني بنظرات مستفهمة لملامحي المختلفة و بشرتي الباهتة
كعادتي مع الأطفال .. ابتسمت
سألتها بالإنجليزية : ما اسمك
ردت بتهذيب و بكلمات بدت تحفظها جيدا:
I am fine Thank you
سألتها : كم عمرك ؟
I am fine thank you
ابتسمت و تذكرت منهج اللغة الانجليزية في المدرسة
وعرفت أن حاجز اللغة يقف بين بنغاليتي الشبه معدومة و انجليزيتها المتألفة من جملة واحدة
جلست بجانبي , و حكت لي عن لونها المفضل
رسمت لي اخوتها .. وشكل معلمتها
وعادت إليّ بقطعة حلوى ... هي ربما .. كل مصروفها
دستها برفق  في يدي .. و هربت

لأتعلم من عيونها الجميلة –في أول يوم لي -
أن روعة التواصل بين بني البشر  تكمن في مالا نعبر عنه بالكلمات  
وأن المشاعر الإنسانية تتجاوز حدود اللغات .. لتحفر عميقاً في دواخلنا

Jan 28, 2013

عالم ثاني!!

بعد عدة ساعات من التحليق فوق المحيط الهندي , هبطت الطائرة في مطار دكا
الحمد لله على سلامتكم تشير الساعة الآن الى الرابعة فجرا بتوقيت دكا , درجة الحرارة الخارجية ..........

رتبت نفسي و نزلت من الطائرة, تسارعت الافكار في عقلي و مزيج من الحماس و التوتر يملآن حقيبتي الملونة
وصلت الى تدقيق الجوازات
نظر الموظف الى جوازي السعودي , قال متلعثما : ما سبب الزيارة ؟ كم المدة ؟ ماهي المهنة ؟
نطقت : طبيبة
تغيرت ملامح وجهه القاسية الى نظرة امتنان , قال :
Doctor , you are most welcome in Bangladesh
ابتسم لي
و ابتسمت لي بنغلادش ... و ابتسم لي العالم

 **********************************

وقفت أمام السير الالكتروني للحقائب
أنتظر حقيبتي الوحيدة , التي لم يبق شيئ لم أحزمه بها من الملابس و الأطعمة الخفيفة و حتى معدات المستشفى و المعقمات .
وبعد انتظار دام العديد من الصناديق الملونة بكافة الألوان ,
 وبعد أن دخل قلبي اليأس و فكرت في جميع الاحتمالات  و استتنفذت جميع الأدعية التي احفظها ..

لاحت حقيبتي ...
على السير الاكتروني ..  سوداء بمقبض أحمر..  مكسورة رجلها قليلا

و كأني وجدت عائلتي المفقودة جريت لأحتضنها , ويلتم الشمل
أنا وحقيبتي و الباك باج جميعا معاً ...
جاهزون لمحطتنا القادمة ... كوكس بازار

******************************
وصلت الى مطار كوكس بازار في الحادية عشر من صباح يوم الأحد الرابع عشر من شهر أكتوبر 2012
كان المطار عبارة عن مبنى صغير بحجم صالة الجلوس في منزلنا , و مدرج للطائرات تحيط به الأشجار من كل جانب

حملت حقيبتي و توجهت الى الخارج لأبحث عن من جاء لاستقبالي , وجدت سيارة فان بيضاء اللون مكتوب عليها بلون أخضر
Hope Foundation for Women and Children in Bangladesh
توجهت للسائق (أبول أو عبدول) و عرفت عن نفسي

أخذني ( عبدول ) عبر شوارع كوكس بازار لمكان سكني
وبينما اقتحمت السيارة الشارع المزدحم بكل شخص .. و كل شيئ
نظرت أنا عبر الزجاج وقلبي يرقص حماساً

في مشهد واحد ,في ثانية واحدة  كانت تتلخص الحياة هنا
الباعة يفترشون الأرض , الطعام و الألبسة الملونة , الخردوات ..
 بقرة على جانب الطريق ترعى و دجاجتان ترقصان حول طفل عاري الصدر..
ركشو (الدراجة ذات العربة ) ملونة تحمل طالبات مدرسة ...
 رجل يحمل اخشاب كبيرة .... عجوز تحمل غصنا من الموز

للحياة نبض هنا يزخر بمئات القصص في لحظة واحدة 
حتى لتعجز سرعة عقلي على جمع الحكايات  أو تجميد المشاهد عبر عدسة الكاميرا

كل ما استطعت فعله هو التحديق
عاجزة عن النطق .. عاجزة عن الوصف
كل ما قلته كان في رسالة نصية كتبتها بهاتفي :

عالم ثاني!

************************************* 
بعض مما استطاعت عدستي التقاطه من شوارع بنغلادش,
 بعض الصور  تم التقاطه في شوارع كوكس بازار و البعض في زياراتي لدكا 
























Jan 27, 2013

إنسان بدرجة أولى


taken by Iphone May2012


تناولت حقيبتي الباك باج الملونة و جواز سفري الأخضر و توجهت الى بوابة الطيران .
نظر الي موظف الخطوط و أنا واقفة في الطابور خلف عشرات من المسافرين ذوي البشرة الداكنة وقال : دكا؟!!!
ابتسمت : نعم
-تفضلي بالجلوس و سأنادي عليك حين ينتهي الجميع من البوردنج .
ولأنني معتادة على معاملة خاصة للسيدات في أحيان كثيرة خصوصا في بلادي , لم أناقش و ذهبت حيث أشار .و انتظرت
نظرت الى الصف الطويل من البشر بملابسهم البسيطة و حقائبهم الممتلئة بكل ما يستطيعون حمله ,
و عامل الخطوط  يصرخ في وجوههم ويدفعهم الى البوابة .
كرهت نفسي لأني تلقيت معاملة خاصة ...  لأني قبلت أن أعامل كبشر من درجة أعلى ...
كرهت أنني في عالم أصبح الخليجي فيه سيد .. و الهندي عبد ...

جاء موظف آخر شاب  آخر يبدو مرتبا بقميصه الأبيض و شعره المسرح بعناية
, ابتسم , ابتسمت
قال بلهجة بحرينية محببة الى قلبي : شعندج رايحة دكا يالشيخة ؟
سألته :  اتسألني بداعي الفضول أم لأسباب أمنية
-          اعذريني ولكني أسأل بداعي الفضول حيث أنني ولأول مرة منذ بدأت العمل هنا منذ عشر سنوات أرى شابة خليجية تذهب الى دكا
-          أنا طبيبة و ذاهبة الى هناك في مهمة انسانية
-          ايه أنا قلت شي  جذي , هاي ديرة أحد يروحها , حاسبي على نفسج الديرة مو أمان
تهذيبه البالغ و ابتسامته القلقة شفعا لفضوله , فاكتفيت بابتسامة لمداراة تضايقي .
جاء كبير الموظفين رجل بحريني في عمر والدي ربما , قال بصوت عال : أحضر لهذه الفتاة باصا خاصا ينقلها الى الطائرة .
فتحت فمي للنقاش : لا احتاج باصا خاصا
ولكن الباص الخاص بي كان قد وصل ...
بلا نقاش ... استقليت الباص
و صعدت ... الى الطائرة درجة أولى
لأهبط بدرجة انسان فقط 


Jan 26, 2013

هدف أسمى


كنت حينها في السابعة ربما
جالسة في الطائرة بعد رحلة مع عائلتي الى الخارج
قلبت في يدي بعض الجنيهات القليلة المتبقية لدي متأملة الحروف الأجنبية عليها
قلت لوالدي : هل أستطيع استخدام الجنيهات في السعودية ؟
قال :  - لا
-          ماذا أفعل بهم إذاً ؟

سحب والدي مظروفاً صغيراً من جيب كرسي الطائرة ووضعه أمامي
-          تبرعي به للأطفال الفقراء

أمسكت بالمظروف بين يدي , كانت عليه صورة فتاة سمراء .. لازلت حتى اليوم أتذكر عيونها السوداء الجميلة
وقرأت ماهو مكتوب بخط صغير, فككت حروفه ببطء انجليزيتي الطفلة : UNICEF ( منظمة الأمم المتحدة للطفولة)
وضعت حفنة نقودي المتواضعة .. أغلقت المظروف و سلمته لمضيفة الطيران ..
أفكار كثيرة .. عصفت بذهني الصغير ...  اسئلة أكبر بكثير من عمر سنواتي ..
ولكني لم اسأل .. بل قلت : عندما أكبر .. سأساعدهم يا بابا
بدأ في ذلك السن الصغير .. مشوار حلمي .. مشوار قضيتي ... مشواري 
وانبثقت بذرة الحلم لتغدو نخلةً بعمر سنيني ...

************************************************

"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي
و أن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها .
في كل الظروف و الأحوال باذلاُ وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض و الألم و القلق
وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله ,
 باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد , للصالح و الخاطئ , والصديق و العدو "

دمعت عيناي تأثراً و أنا أنطق بهذه الكلمات في حفل تخرجي ..
هذه الرسالة الإنسانية العظيمة التي حمّلتني إياها سنواتي الست في كلية الطب
و عاد الحلم القديم .. يرفرف بجناحه الملون فوق رأسي
لأقرر الذهاب في رحلتي .. لإيجاد هدف أسمى لحياتي ... 

Oct 28, 2012

أبو سروال و فانيلة

مجرد تهكمات كتبتها إثر احباط أصبت به من جراء الاستماع ل(حلطمة ) المبتعثين العائدين من الخارج
و لا أقصد بها التعميم
----------------------


استطعنا وفي خلال 80 عاماً أو أربعة أجيال من التعليم و القوانين الصارمة أو غير الصارمة , نقل الشاب البدوي أو الجبلي أو المواطن المجتهد , المؤمن بأخلاقه العربية الأصيلة و كرمه و غيرته على الجار 
الى هذا الشاب السعودي  الذي يخرج الى الشوارع مفحطاً ضارباً عرض الحائط بأي اعتبار للآخرين
هذا الشاب الفارغ الذي لا يجد معنى لحياته غير متعة لحظية يقضيها في معاكسة فتاة في الشارع

اختزلنا جميع أنواع التنوع الثقافي والحضاري من جبال السروات الى عيون تاروت في شخصية أبو سروال وفانيلة
تلك الشخصية الهزلية التي نضحك على برودكاستاتها كل يوم

بعد ذلك جاء الابتعاث و بعث الأمل في نفوسنا بالتغيير 
خرج أبو سروال وفانيلة من حجرته و ذهب الى أمريكا ..
وعرف هناك - بغض النظر عن تصرفاته- أن القانون فوق كل شيء 
و أن الواسطة لن تأتيه برخصة قيادة وهو نائم في منزله 
و أن قمامته لن تؤخذ اذا لم يفصلها في صناديق إعادة التدوير
و أن مخالفاته لن تخفض بواسطة الوالد
وببساطة أن العالم لا يمشي بالبركة

بعد ذلك عاد بعد عدة سنوات حاملاً شهادته و  متعلماً مالم يتعلمه خلال سنوات كثيرة قضاها مفحطاً بجمسه في الصحراء

وهنا أصابته صدمة حياته
اختفت المناظر الجميلة ..و الحياة المنظمة و عدنا الى البركة  .. 
كره حياته .. وبدأ بسب اللحظة التي عاد فيها الى هذه البلد
صار يقضي ليله حالماً بالعودة ...و أيامه بسب كل ما يتعلق بالبلد
مرت الأيام.. و عاد صاحبنا الى سرواله و فانيلته و لكن هذه المرة بقلب مكسور
لينغمس أكثر في لعب البلوت و و أكل المفطح 

ويبقى أملنا في أبو حفاظة ...
 ذلك الطفل الأسمر الذي رضع من حليب الداي كير(day care), و الناطق بعربية مكسرة 
في أن يكبر قليلاً ويذهب الى المدرسة ليجتمع مع اطفال مثله فيكونوا  support group لتفكر بطرق creative  لبناء الوطن


    

Oct 2, 2012

غضب


تنظر الغيمة شزرا ... الى الارض من تحتها ... ثم تزأر غضبا و تمطر ...
بشدة .. بقوة ... فوق رؤوس البشر العارية ...
ترقص القطرات في طريقها الى الارض
و يرقص معها البشر .. رقصة البلل
حتى تتلون كل بقعة على مد البصر بلون المطر ...
حينها ترتاح الغيمة من همومها ...
ينقشع الغضب ..
و تبتعد ...
تطفو في السماء ... كقطعة حلوى ...