Jan 31, 2003

كلمات ليست كالكلمات (1)


أهديكم محاولتي القصصية الأولى


جلست أطالع بعض المجلات الملقاة بإهمال في أنحاء غرفتي … فوجدت خاطرة شدتني .. جذبتني .. أحسست أنها مكتوبة لي أنا .. أنا وحدي …
شيء ما في هذه الخاطرة دفعني للكتابة ..
بحثت عن اسم هذا الكاتب المجهول .. فلم أجده .. كان يتخفى تحت ستار اسم مستعار " القلب الزجاجي "…
شدني الاسم .. فمن هذا الكاتب المرهف الحس ذو" القلب الزجاجي " ….
في تلك الليلة .. راودتني أفكار .. أحلام.. غريبة .. و كأنني أحلق فوق النجوم .. و استلقي على الغيوم …
استيقظت صباحاً و أنا لا أعرف سر هذه الأحلام ..
تمطيت و أنا في السرير و تثاءبت , قبل أن تنتابني نوبة كتابة … ..فأمسكت بالقلم و أنا مازلت على السرير .. وشرعت في الكتابة …  
لا أدري كم من الوقت استمريت في الكتابة … أو ماذا كتبت … فأنا أحب إغلاق الدفتر على ما كتبت .. ( و كأنني أدفن سراً عميقاً ) .. ثم قراءته في ما بعد ..
الخاطرة التي قرأتها ليلة البارحة … كانت تروي قصة قلب … مشاعر و أحاسيس .. من قلب ذكر .. الى قلب أنثى ..
و ما كتبته اليوم صباحاً … كان رداً عليها .. كان رداً من قلب أنثى .. أنثى مرهفه الحس …

جلست في الحديقة أقرأ ما كتبت … و قررت إرساله ليقرأه " القلب الزجاجي " ..
 عشت أسبوعي .. على كلماته .. أتذكرها ..و أعيد تذكرها ..
انتظر بشوق العدد الجديد … لأرى ان كانت خاطرتي قد نشرت ..

استيقظت صباح الخميس و أسرعت بارتداء ملابسي و الخروج لشراء المجلة ..
 كان صباحاً مشرقاً .. عصافيره مغردة .. و أناسه مبتسمون …
أمسكت المجلة وعدت إلى البيت … كنت أريد أن اختبأ عن الأعين .. و كأنني خائفة أن يكتشفوا لهفتي …
وصلت الى البيت و أغلقت الباب …. لأتصفحها في لهفة… فأجد خاطرتي مكتوبة هناك … و تحتها رد مميز ..رد بعنوان " كلمات ليست كالكلمات"….. عرفت فيه صاحب " القلب الزجاجي " …
اذن هو يعمل في المجلة … وإلا فكيف استطاع الرد على خاطرتي قبل أن تنشر ..
أمسكت المجلة بين راحتي .. و نظرت الى البحر الممتد خارج شرفتي … فهبت نسمة صباحية أثارتني لأكتب .. فأمسكت القلم .. و كتبت …كتبت و كأنني أكتب بلغة جديدة … لغة لا يفهمها الا هو … الا " القلب الزجاجي " …
تناسيت الناس … و القراء … و المعجبين بكتاباتي .. و تنكرت تحت اسم مستعار .. مخفية تحته شخصية الكاتبه المحترفة …

أسابيع مرت .. و أنا اكتب اليه … شهور مضت .. و نحن نعيش معاً على سطور الكلمات … و الحب … الحب صار شيئاً لا انطق به … الا في نقاشي معه  …
 لم أهتم أن الجميع كان يشاركنا قراءة ردودنا .. و لم أحسب حساباً لسطور الإعجاب .. و كلمات الثناء .. على مسرحيتنا الرائعه …
 كلما اهتممت به .. كان هو .. هو فقط ….

و في صباح رقيق النسمات … وصلتني رسالة بريدية موقعه باسمه .. كانت رداً عليَ….. رداً لشيء كتبته و نشر في المجلة …
غضبت حينها …( بقدر ما فرحت )… فكيف يجرؤ!! … كيف يجرؤ على الكتابة اليَ … كتابة رد بلا أي مقدمات .. بلا تفسيرات .. و بلا اسباب …
لكن غضبي سرعان ما هدأ .. وحلت محله السعادة .. فهو يكتب لي .. لي أنا فقط …
كتبت حينها رداً عليه .. وحاولت البحث عن عنوانه في الرسالة …. فلم أجده ..
 لم أجد عنواناً ……اذن فهو لا يريدني أن أكتب اليه … ولكن لم ؟!! لم لا يريدني أن اكتب اليه ؟؟!!
أرسلت ردي الى المجله .. فنشر .. ولكن ردوده أصبحت تصلني عبر البريد ….

توالت الأيام … و الكلمات بيننا جسر يصل كل منا بالآخر ..
و أحببته .. أحببته عبر السطور.. وبين نقاط الحروف  … و كذلك هو .. حبه لي .. كان يحرق الكلمات …
حاولت أن أنكر على نفسي حبه .. ولكنه كان هنا … في قلبي … آثاره تفضحها  أناملي …
عزمت حينها .. أن التقيه … و صممت على البحث عنه … فذهبت الى المجله وسألت عنه .. لم يكن موجوداً حينها .. ولكني عرفت عنوانه … فكتبت اليه .. وطلبت منه أن نلتقي ..
أعطاني موعداً غامضاً :
 (( ما بين النجوم و تحت القمر …
 حين يكسر الماء الصخر ..
 اطلبي قهوة بيضاء بدون سكر …
 و اختاري لنا .. طاولة شرقية ..
لنرى لبحر … و نسمع هدير أمواجه ..
 كوني هناك أميرة تتربع على عرش قلبي … ))
 ثم بسطور مترددة (( عزيزتي .. نحن شمس و قمر … قد لا نلتقي اليوم ولكن سنلتقي غداً )) !!

كانت لقاءاتنا بعد ذلك وهمية … نشرب القهوة البيضاء .. بين السطور .. و على طاولة من ورق .. و ننظر الى صمت العيون بين همس الكلمات … هكذا مضينا .. لم نلتقِ.. لم نلتقِ أبدا..

حل علينا ربيع وصيف وخريف .. تبعه شتاء .. شتاء ممطر .. كسا الدنيا شاعريه …
و ليالٍ باردة دفأها هو بكلماته … تواعدنا بين أرصفة الشوارع .. وفي زحام المارة في كل مكان تواعدنا…. رقصنا …. رقصنا على الحروف … و ركضنا بين النقط …
جلسنا تحت المطر … و تسلقنا خيوطه … حتى وصلنا الى الغيوم …
(( نمشي هناك تحت المطر ..
 تحت مظلة تحمينا من سياطه ..
 تمسك بيدي يدك ..
 وتقبل شفاه ساخنة عيوني ..
.فنلتقي بين السطور ..
 في دفء قبلة وهمية )) …

وفي يوم من أيام شتاءنا الممطرة و نحن على صهوة خيل في البرية .. نركض .. نجري بسعادة .. تحت القمر …وجدت بين السطور نبرة جدية …
(( فلنلتقي … فلنلتقي على أرض الواقع ..
 فالأحلام قد طال بقاؤها ويجب أن تنتهي اليوم ….))
لم أفهم من كلامه غير نبرة حزن ممتزجة بأسى بالغ …
ولكنني ذهبت .. فلم لا أذهب وحبيبي … حبيبي طلب لقائي ….
التقينا على نفس موعدنا القديم …. في مقهى النجوم … الذي لطالما تخيلنا وجودنا فيه .. معاً …
اخترت لنا طاولة شرقية …. و طلبت قهوة بيضاء … و انتظرته …
بعد قليل .. جاء … جاء هو … كان هو … كما تخيلته دوماً ..
جلس أمامي .. همس .. ((تبدين كما تخيلتك دوماً .. أميرة تتربع على عرش قلبي )) ..
تحدثنا معاً .. عن أحلامنا .. عن أيامنا الممطرة .. عن سعادتنا تحت القمر ..
فجأة قلت له بنبرة فتاة حالمة : (( فلنعش حياتنا معاً )) …
سكت برهة … و نظر الى عينيَ مطولاً … و قال: (( أتعلمين .. عيناك تبدوان فيروزيتان عند ضوء معين )) …
ثم رفع رأسه و أمسك يدي .. و بتنهيدة قال : (( إننا كائنان حبريان …
 كتبنا خيالنا معاً ..
وعشنا بين السطور … لكننا على أرض الواقع لا نلتقي ابداً … فنحن شمس وقمر ))
قلت و العبرات تخنقني : ( الم تكن انت من يقول دوماً أن مصير كل شمس وقمر اللقاء يوماً ))
-         (( نعم … ها نحن قد التقينا .. اللقاء لحظة امتاع اختلسناها من غياهب الكون … ولكن يبقى مصيرنا .. ككل شمس و قمر … الرحيل ..))
( دموع حارة تسكبها عيوني )
فتقبل شفاة ملساء جبيني .. و تقول : (( لا تبكي .. لا تبكي حبيبتي … سأكون معك دوماً في الأحلام … ففي الأحلام ..دوماً تتحق الأحلام ))
ثم مضى … مضى من حيث جاء …. من بين الكلمات …..
((و أعود … أعود لطاولتي … لا شيء معي … الا كلمات …))

"كلمات ليست كالكلمات"