Jul 22, 2007

فجر ممطر


استيقظت المدينة …
استيقظ الحزن الكامن فيها …
واستيقظ البكاء …..

هنا … تبكي الدنيا … تبكي السماء ….
دموع متواصلة ….
قطرات صغيرة …. لكنها متواصلة ….

حين تبكي السماء … ويتشح الفجر الملون بلون المطر …..
أتذكر شرقنا الحزين ….
أتذكر تقاطيع الأطفال … وبكاء النساء ….
أتذكر الحزن الوليد من رحم أوطاننا …
و أتذكر الحياة … حين لا تكون حقاً …. حياة …….

حين تبكي السماء في بورتلند ….
أتذكر الجنة …. أو أحلم ربما بالجنة ….
حيث ترسم الغيوم الفجرية فوقي …. سلماً .. من الحلوى …. إلى السماء …..

حين تمطر ….
أحلم …. أشعر ….
أ و ربما … أعيش … التناقض ….
بين الحزن الكامن في بكاء السماء …… و الجمال المنبثق ..
من فوضى الغيوم … و بلل الحياة ……

حين تمطر هنا ….
بعيد ………. بعيد عن موطني ……
هنا … حيث استطيع لمس المطر …..
و الرقص حافية القدمين …
حتى أغرق … أو يجف المطر ….
هنا …..
أجد المطر …. هو المطر فقط …..
تنعدم الموسيقى …… وتبقي القطرات وحدها ….
تقدق باستمرار … وبلا توقف …… زجاج  إجازتي …….

Jul 7, 2007

خربشات تزخر بالأمل


في قمة الالم …. تكمن السعادة ..
وتتفجر الطاقات ….
حين يغدو البحر .. شبحاً أسود …
وتتحول النجوم النرجسيه نيراناً … تشتعل … لتحرق العيون …

حين تختفي الانسانية من الانسان ..
حين يُحرق القمر على أيدي أطفال يلعبون بالكبريت …
ويصبح العالم … دمار ….

حين تقلب موازين الأمور … و يختفي الحق .. من بين السطور …
حينها .. .و حينها فقط …
يولد طفل صغير .. في عيناه …
يثور الحب …
و على شفتيه … يكمن الأمان ..
تتعلق على شعره الكستنائي الملائكة …
لترقص .. في محاولة يائسة .. للطيران بالصغير … بعيداً عن السواد …
عن الحقد … و عن الدم المتناثر في كل مكان ….

حينها … تولد الثورة …
حيث العيون البريئة … و الجمال الا متناهي ….
يرفض العيش في عالم أسود ظالم …
تبدأ السماء بالامطار ..
و الزهور تنمو من تربة أعقمها الزمن … و أتعبتها ملوحة الأيام …
تعود الشمس .. للاشراق من جديد …… بعد فترة من هيمنة القمر …
و تبدأ الايام …. بالاستيقاظ من سباتها العميق …
لتبني مستقبلاً …. يزخر بالجمال ….
بالابداع …. و بالحب ….

Jul 6, 2007

تأملات في الغروب



" في ذلك الوقت من المساء الذي نشعر فيه برغبة في البكاء لا نعرف لها سبباً , و عندما تأخذ الشمس طريقها ذليلة نحو مغربها .
تلك التي تحفن فينا الحياة منذ الصباح , هاهي تحمل حقائبها لتشرد في الكون .
دائماً أكره الغروب , لا أراه إلا تآمراً على النور , يقف البشر أمامه عاجزين كل احتضار يوم , إحباط كوني متكرر يبعث في أجسادنا الضعف , مثلما يبعث في الأفق الظلام "

هكذا يفلسف الغروب الكاتب : محمد حسن علوان في روايته سقف الكفاية , التي وقعت بالمصادفة بين يدي لأقرأها ..

أما أنا … وبمزاجي القرمزي هذا الصباح ….
أرى في الغروب اللقاء اليومي بين السماء و الأرض ..
أرى الملائكة تقف بخشوع …  أمام إنحناء الشمس المهيب …. لتفسح لليل مجالاً …
هي لا تنسحب موتاً … ولا ضعفاً …
تنسحب الشمس … كبرياءً ….
و عطفاً علينا ….

عطفاً على النعاس الرقيق في عيون الأطفال …..
و على اللمعان المتوهج في نظرات العشاق …..
تنسحب الشمس … كي يكون لنا غد …..
كي نحلم كل ليلة  … بشمس جديدة ….. و مستقبل مشرق …..
كل يوجد الأمل في العالم ….
تضحي الشمس ….
ونشعر نحن بكبرياءها …. وهو يغتسل ببطء في المياه الزرقاء ….
نشعر بها تقترب بلطف …. لتطبع على جبين الأرض قبل المساء قبل أن تمضي ….
شعورنا هذا ….  
يصبغ ملامحنا بالبكاء ….
و تعترينا الرغبة الملحة …. لاحتضان الكون ….. و الصلاة في محرابه ….

Jun 1, 2007

إسوارتان وساعة


حياتنا كوم من التجارب و الذكريات …
كوم من الأساور و الساعات ..
تقيدنا … تقيد معاصمنا .. بالوقت .. بالمكان .. و بالزمان ..
تجعلنا في سباق مع الزمن .. و مع الأفكار .. و مع المشاعر ..
مشاعرنا .. مشاعرنا المتخبطة على شاطئ من الأحزان … الطائرة في جو من الدخان …
مشاعرنا .. تكون لنا إسوارة .. نحملها دوماً في معصمنا ..
 مهما جرى الزمن .. و تغيرت الأفكار…
أفكارنا .. أفكارنا النابضة بالحياة .. بالبؤس .. بالتفاؤل .. و الإحباط …
أفكارنا العظيمة .. خططنا المستقبلية ..طموحنا .. مخاوفنا..
كلها تكون إسوارة .. توضع الى جانب الإسوارة الأولى ..
مهما تبدلت المشاعر .. و جرى الزمن …
و الزمن … يومنا .. غدنا .. مستقبلنا .. و ماضينا .. فهو ساعة …
نضعها الى جانب الإسوارات .. لتمضي بنا .. حتى نهاية الحياة ..
و هكذا نكون مقيدين دوماً .. بإسوارتان و ساعة ….

Apr 10, 2006

رحلة لم تكتمل

مشاركتي في ورشة عمل أنا أنتمي (I Belong) التابعة للمجلس الثقافي البريطاني 


جلست في بهو المطار.. أنظر إلى الطائرات .. في هبوطها و إقلاعها …

فسمعت صوتاً من خلفي يقول : جميلة هي الطائرات …. بإقلاعها و هبوطها ..

تذكرني … بمسرحية موسيقية تدعى ( بحيرة البجع )….

فكما البجع الأبيض … ترقص الطائرات … على أنغام الموسيقى… رقصة الرحيل ..

نظرت اليه …

فجلس رجل في بداية الثلاثينيات بجانبي بهدوء …

وقال : أترى تلك ذات الجناح الأحمر … تلك هي طائرتي اليوم ..

نظرت اليه و أسئلة كثيرة تدور في ذهني …..

قلت :و كيف تعرف هذا ؟

تمتم بصوت منخفض : وكيف لا أعرف!!

نظرت إلى وجهه باستغراب .. فقال موضحاً …

إنني يا عزيزي رحال .. أعيش حول الحقائب وبين نظرات المارة ….. 

أقضى معظم وقتي.. ما بين طائرة ومطار…. ما بين مركب و سفينة ….

لم تبق مدينة سوداء ولا بيضاء … شقراء ولا حمراء …. الا وطئتها حقائبي …. و غنى لي القمر فيها ….

أغنية حب جميلة ….. حتى تغفو جفوني …..

في كل مكان …. لي أصدقاء …. وفي كل مدينة … أترك قلب كسير  ….. يشتاق لتقبيل جفوني…

ولكن حقائبي … تأبى الاستقرار … و تأبى أن تعود لتفتح … في نفس المكان ….


أسند رأسه إلى الخلف … فسألته بصوت خافت : ولم تفعل ذلك ؟؟

رفع رأسه بعصبيه … ثم نظر إليَ برهة ..

وقال كأنه يخاطب نفسه : لماذا ؟؟؟ سؤال يتردد دوماً عليَ …. ولم أملك يوماً الجرأة في الرد عليه …

 ولكنني اليوم .. و لأول مرة … سأجيب عليه…


ثم و كأنه يعود بالماضي :

عندما كنت طفلاً … كنا نعيش .. أنا ووالدي .. في إحدى المدن الخاضعة للاحتلال …

حيث أذهب أنا إلى المدرسة .. عبر الحواجز وصرخات الجنود …..

ويذهب أبي إلى عمله طوال النهار …

و نعود في نهاية اليوم … لتناول الطعام … على سفرة من تراب …

ثم نفترش الأرض ..ليحكي لي والدي  …حكاياً ستظل عالقة بذهني إلى الأبد….

حكايا ..عن مدينة جميلة..  السلام … شعارها …. فلا حرب فيها .. ولا شجار .. ولا خوف …

مدينة … تهب الحب .. كما تهب الماء … بلا شرط .. ولا سبب… ولا انقطاع …

مدينة .. نعيش بها .. كعصفوران طليقان … بلا حواجز … بلا جدران .. ولا قيود لتكبل حريتنا ….

ننام فيها … ملئ جفوننا … لنستيقظ … وصوت العصافير … يمتزج بالريح … لتعزف لنا الطبيعة …

سمفونية عذراء …..

في كل ليلة … كان يحكي لي عن هذه المدينة …

ببيوتها البيضاء .. المتشابهة في سقوفها القرميدية الحمراء … بزهورها الملونة …. المتناثرة في كل مكان ….
بأطفالها الضاحكين … ونساءها الجميلات …

كنت في كل ليلة … أحلم بهذه المدينة … وفي كل ليلة أتساءل …

لم فرض عليَ أن أعيش هنا ..في بيت .. ليس ببيت .. وسرير … ليس بسرير .. وحياة … ليست بحياة…..

كنت أتسائل دوماً …. لم لا نذهب الى الوطن ….

نعم .. فلقد كانت هذه المدينة هي الوطن بالنسبة إليَ … هي المكان الوحيد الذي أحسست بالانتماء إليه .. طوال حياتي …..
  
 وفي يوم من أيام الشتاء القارص … وبينما أنا في طريقي إلى المنزل …

سمعت صوت انفجار هائل … قادم من جهة بيتي … فركضت .وركضت..

 و الأفكار تغرق رأسي الصغير…. كما ريشة في مهب الريح …

وصلت …. لأجد كتلة سوداء …. مكان شيئ كنت اعتبره بيتي … رماد متناثر في كل مكان …..

وركام … يسد كل شيء….

بحثت عن والدي … تحت أكوام الحجارة و الرماد …

 فوجدته بعد عناء بين الأنقاض …

 بعينان مفتوحتان …. و ابتسامة حملت  كبرياء العالم ….

نعم ..
 لقد توفي أبي … توفي ….و أنا في العاشرة من عمري ……

 كان والدي …. هو عائلتي الوحيدة … هو الشخص الوحيد الذي أحببته من كل قلبي ….

و الآن… قد رحل ….

اسودت عيناي بالأحزان … و أنطفأ بريق القمر …

في تلك اللحظة … سكنتني روح غريبة … لم أعرفها من قبل ….. روح باردة …. كقطرة مطر ..

روح …. لم تكن يوماً أنا … ولكنها اليوم … تملكتني … حتى النخاع …..

روح …. حولت …. في لحظة واحدة …. ذاك الطفل الصغير الذي كنته … الى الرجل … الذي هو أنا ….



الرجاء على جميع المسافرين على الرحلة رقم 534 التوجه إلى البوابة رقم 5 ..

نظر إلى ساعته في قلق … ثم مسح دمعة كادت تنحدر على وجنته …

و أردف :

وهكذا .. يا عزيزي … بدأت في رحلتي هذه … للبحث عن الوطن …

زرت منذ ذلك اليوم وحتى الآن .. مدناً كثيرة … تعرفت على ثقافات عدة … و تكلمت لغات متنوعة ….


ثم بنبرة مختلفة :
فنجانك دنيا مرعبة .. و حياتك أسفار وحروب ….
ستحب كثيراً يا ولدي .. و تموت كثيراً يا ولدي …
وستعشق كل نساء الأرض .. وترجع كالملك المغلوب …

إن الفرق بيني وبين بطل هذه القصيدة … أنني أحببت كل مدن الأرض …
.
ولكنني لن أرجع كالملك المغلوب….. بل سأصل.. حتماً سأصل …

و اذا بوجه … لم أر مثله من قبل … عيناه اتسعتا … و حل محل الحزن … بريق الأمل … وضوء عجيب … زين جبينه …

ثم نظر اليَ بابتسامة ….  حملت كل معنى للطموح… للإرادة … و للتصميم ..

ابتسامة لو وجدت لدى أي إنسان … لإمتلك الدنيا بها ….

ثم قام من مكانه ..

 ودعني بصمت ..
متوجهاً لطائرته …

راقبت الطائرة تتحرك من أمامي …… ببطء …. ثم أقلعت .. بعد أن أدت … رقصة الرحيل ….

ذهبت بعد ذلك إلى مقهى المطار … لأتناول قهوة بيضاء … و أفكر ..

أفكر في هذا الرجل ….

رجل بلا وطن … بلا عنوان …

بجواز سفر .. مكتوب عليه … اسم دولة لا وجود لها ….

لا مكان لينتمي اليه … سوا هذا العالم …. و حلم قديم … ورثه عن والده ….


خبر  عاجل : يؤسفنا أن ننقل إليكم خبر سقوط الطائرة رقم 534 المتوجهة إلى برلين … وفقدان جميع

 ركابها ….. إنا لله و إنا إليه راجعون ….


انقطع الصوت …..

فانسابت دمعة  ساخنة على وجنتيَ….

و قرأت في صمت …الفاتحة … على روح رجل عظيم …

قضى حياته في رحلة ….

رحلة لم تكتمل …..


Feb 8, 2004

مرآة مكسورة للأحلام (2)


لوحة بديعة .. داخلها روح بيضاء..
شمس و قمر .. سواد وبياض..قلب وعقل… حياة و موت ..
تناقضات .. إنها تناقضات …
تحيط بها .. ألوان .. أزرق كلون البحر… زهري  كلون الورد … " وفيروزي كلون عيوني"…
أعجبتني اللوحة .. في تناقضاتها .. في هدوئها … و ثورتها …
صممت على اقتناءها ….
أشرت إلى صاحب المعرض .. فجاءني بابتسامة عريضة ..
قال : عرفت أنك ستقفين عند هذه اللوحة ..
قلت ساخرة : وكيف عرفت ذلك ؟
رد بهدوء: سبب يحتاج لقهوة بيضاء ليقال …
نظرت في عينيه جيداً .. فوجدت لمعاناً أربكني ..
أشار اليَ برأٍسه .. فلحقت به …
ومشينا عبر الشوارع المزدحمة إلى مقهى منعزل …
اسمه مقهى " النجوم" ….
إنه نفس المقهى الذي … الذي تواعدت فيه مع كائني الحبري…
في مسرحية عشت فصولها …
أشار اليَ بالجلوس …
وعلى نفس تلك الطاولة جلسنا ..
ننظر إلى البحر ..
كان ارتباكي و تعجبي من المكان قد جعلني أتحاشى النظر إلى عينيه ..
حتى قال : هانحن هنا …. في نفس المكان …

لا لم يكن هو نفسه .. ذلك الشخص … كان شخصاً مختلفاً …
نظرت إلى عينيه …
و تذكرت صورة الرجل الآخر …
لا قطعاً ليس هو …
ولكن عيونه … عيونه تجسد بطل مسرحيتي….
وصوته … صوته هو ذلك الصوت … الذي كنت اسمعه حينما كنت اكتب ….
سألني : ألا تسألين من أنا ؟
أجبت بعد صمت طويل : ولم أسألك من أنت ؟! لتخبرني باسمك ؟! لا أحتاج لمعرفة اسمك .. فأسخف ما نحمله  يا عزيزي الأسماء …
ثم بهدوء : أنت .. أنت الخارج من أحلامي .. من دفاتري .. عيناك … صوتك .. كل هذا مألوف لدي …
ولكن سؤالي لك هو : كيف تعرفني ؟!
-         كيف أعرفك ؟؟ قولي كيف لا أعرفك …. فقد كنت معك طوال مسرحيتك .. أرسمك … بريشتي … و أتخيلك … في أحلامي …
هذه اللوحة التي رأيتها اليوم .. تمثل روحك .. كما صورها لي خيالي …
بتناقضاتها … بهدوئها الظاهر … و صمتها الساخر .. ببياضها الشفاف…. و زرقتها النقية …
هذه لوحة من بين عديد ..
بعضها ألقيت به للتخلص من نوبة الرسم التي أصابتني .. من جراء قراءتك .. وبعضها سوف ترينه مستقبلاً …
-         ولم ليس اليوم ؟
-         حتى أتأكد من أنك سـتأتين غداً .
ابتسمت نصف ابتسامة و قلت : سآتي … سيجبرني فضولي ..
نظر إلى ساعته … ثم استأذن وقال برقة :أراكِ غداُ حلمي ….
و غادر…
جلست أنظر إلى الكرسي الخالي أمامي …
و أفكر ….
فعندماً رحل الآخر .. ترك بركاناً يغلي في داخلي …
و الآن ..وبعد أن هدأ البركان …
يعود ليثور مرة أخرى ..
مؤذناً بخراب جديد … ومغامرة جديدة … و حب جديد … حب … خارج من قلب البركان الأول …
غادرني … والسماء قد ازدادت زرقة …
و القمر … ازداد لمعاناً …
إنني أعرف هذه المشاعر .. بالطبع أعرفها …
ألم أعايشها من قبل ؟!
عدت إلى البيت و رأسي مليء بالأفكار .. التخيلات … و التساؤلات …
أخذني في اليوم التالي… لأرى لوحاته ..
-         تستطيعين فتح عينيك الآن ..
فتحت عيني فوجدت لوحة…. لم أر مثلها من قبل …
رائعة في تفاصيلها الدقيقة … في معانيها العميقة … في تناسق ألوانها …
كانت أجمل من أي شيء رأيته من قبل … شيء يفوق الوصف ..
كتب أسفلها :" أميرة تتربع على عرش قلبي"
عبرت في مشهد واحد .. عن كل لحظة عشتها … أو تخيلتها …
عن كل شعور أحسسته .. . أو حلمت به …
نظرت إليه ..إلى تلك العينان السوداوان ..
وفتحت فمي .. لكن الكلمات لم تخرج …
ولأول مرة في حياتي … لم أستطع التعبير …خانني لساني .. هذه المرة ..
ضغط على يدي برقة .. وقال : لا تقولي شيئاً ..
بل اكتبيني … اكتبيني قصيدة .. خاطر ..قصة … لا يهمني ..
فهكذا أحببتك .. وهكذا سأعشقك …
فلقد كنت حتى اليوم أغار من بطلك … تكتبين إليه … ولا تكتبين إليَ ….
و هكذا … مرت الأيام …
أنا الكاتبة .. و هو الرسام .. نكسم ( نكتب ونرسم ) قصتنا معاً ….
قصة … اشتبك فيها الخيال بالواقع .. و اختلطت الأمور …
قصة ارتديت فيها فستان كرزي … و عقد لؤلؤي …
ولبس هو فيها بذلة سوداء … وقميص أبيض …
ورقصنا … تحت ضوء القمر …
في ليلة من ليالي ألف ليلة و ليلة ….
التقينا كل يوم ….على طاولة من ورق ..
يحيط بنا البحر …
فبثورانه … وهديره .. تتكون قصائدي المتمردة … ولوحاته الثائرة ….
وبهدوئه ورقته .. تتكون خواطري الناعمة … ولوحاته الرقيقة …
أخذني من عالم الوهم … إلى عالم الخيال…
حيث بنى لي هناك ..قصر فوق الغيوم ..
قال لي مرة : أوليس حبنا أجمل من أن يعاش في الأحلام ؟
-         لا حبنا أجمل من أن يعاش على أرض الواقع … فالواقع مجرد مرآة مكسورة للأحلام …
 ولكن حبنا .. خليط من هذا و ذاك ….. فلسنا كائنان حبريان .. بل بشريان …
نحب و نكره .. نفرح و نحزن …
أولم يقولوا أن نصف الحب خيال …
-         لا بل قالوا أن الخيال نصفه حب …
رفع رأسي بين يديه .. ونظر إليً ….نظرة ملأها الحب …
نظرة أجابت عن كل أسئلتي في الحياة …
نظرة لو تجمدت الدنيا .. لبقيت تدفئني …
ثم أمسك بيدي بين راحتيه وطبع قبلة دافئة عليها …
سرت رعشة باردة في جسمي …
قال : أقدرنا أن نعيش هكذا ؟ نطارد السحاب فلا نلحق به …. و إن لحقنا به … نكتشف أنه مجرد بخار ماء … لا نستطيع لمسه !!!؟
ضغطت على يده بحب … وقلت بصوت ..لم أتوقع يوماً أن يصدر مني :
نعم …. هكذا نحن … حبنا أسطور جميلة .. نعيشها على الورق … ولكن على أرض الواقع …
هي كذبة بيضاء … ستحسب علينا …
فالحب يا عزيزي ….
" الحب ليس رواية شرقية … بختامها يتزوج الأبطال …
الحب هو الإبحار دون سفينة .. وشعورنا أن الوصول محال …"
تركت يده .. وقمت من مكاني .. لأطبع قبلة على جبينه و أمضي ….
دون الرجوع إلى الخلف …. فالماضي … ابداً لا يعود ….


ندى الناجي
2004

Jan 31, 2003

كلمات ليست كالكلمات (1)


أهديكم محاولتي القصصية الأولى


جلست أطالع بعض المجلات الملقاة بإهمال في أنحاء غرفتي … فوجدت خاطرة شدتني .. جذبتني .. أحسست أنها مكتوبة لي أنا .. أنا وحدي …
شيء ما في هذه الخاطرة دفعني للكتابة ..
بحثت عن اسم هذا الكاتب المجهول .. فلم أجده .. كان يتخفى تحت ستار اسم مستعار " القلب الزجاجي "…
شدني الاسم .. فمن هذا الكاتب المرهف الحس ذو" القلب الزجاجي " ….
في تلك الليلة .. راودتني أفكار .. أحلام.. غريبة .. و كأنني أحلق فوق النجوم .. و استلقي على الغيوم …
استيقظت صباحاً و أنا لا أعرف سر هذه الأحلام ..
تمطيت و أنا في السرير و تثاءبت , قبل أن تنتابني نوبة كتابة … ..فأمسكت بالقلم و أنا مازلت على السرير .. وشرعت في الكتابة …  
لا أدري كم من الوقت استمريت في الكتابة … أو ماذا كتبت … فأنا أحب إغلاق الدفتر على ما كتبت .. ( و كأنني أدفن سراً عميقاً ) .. ثم قراءته في ما بعد ..
الخاطرة التي قرأتها ليلة البارحة … كانت تروي قصة قلب … مشاعر و أحاسيس .. من قلب ذكر .. الى قلب أنثى ..
و ما كتبته اليوم صباحاً … كان رداً عليها .. كان رداً من قلب أنثى .. أنثى مرهفه الحس …

جلست في الحديقة أقرأ ما كتبت … و قررت إرساله ليقرأه " القلب الزجاجي " ..
 عشت أسبوعي .. على كلماته .. أتذكرها ..و أعيد تذكرها ..
انتظر بشوق العدد الجديد … لأرى ان كانت خاطرتي قد نشرت ..

استيقظت صباح الخميس و أسرعت بارتداء ملابسي و الخروج لشراء المجلة ..
 كان صباحاً مشرقاً .. عصافيره مغردة .. و أناسه مبتسمون …
أمسكت المجلة وعدت إلى البيت … كنت أريد أن اختبأ عن الأعين .. و كأنني خائفة أن يكتشفوا لهفتي …
وصلت الى البيت و أغلقت الباب …. لأتصفحها في لهفة… فأجد خاطرتي مكتوبة هناك … و تحتها رد مميز ..رد بعنوان " كلمات ليست كالكلمات"….. عرفت فيه صاحب " القلب الزجاجي " …
اذن هو يعمل في المجلة … وإلا فكيف استطاع الرد على خاطرتي قبل أن تنشر ..
أمسكت المجلة بين راحتي .. و نظرت الى البحر الممتد خارج شرفتي … فهبت نسمة صباحية أثارتني لأكتب .. فأمسكت القلم .. و كتبت …كتبت و كأنني أكتب بلغة جديدة … لغة لا يفهمها الا هو … الا " القلب الزجاجي " …
تناسيت الناس … و القراء … و المعجبين بكتاباتي .. و تنكرت تحت اسم مستعار .. مخفية تحته شخصية الكاتبه المحترفة …

أسابيع مرت .. و أنا اكتب اليه … شهور مضت .. و نحن نعيش معاً على سطور الكلمات … و الحب … الحب صار شيئاً لا انطق به … الا في نقاشي معه  …
 لم أهتم أن الجميع كان يشاركنا قراءة ردودنا .. و لم أحسب حساباً لسطور الإعجاب .. و كلمات الثناء .. على مسرحيتنا الرائعه …
 كلما اهتممت به .. كان هو .. هو فقط ….

و في صباح رقيق النسمات … وصلتني رسالة بريدية موقعه باسمه .. كانت رداً عليَ….. رداً لشيء كتبته و نشر في المجلة …
غضبت حينها …( بقدر ما فرحت )… فكيف يجرؤ!! … كيف يجرؤ على الكتابة اليَ … كتابة رد بلا أي مقدمات .. بلا تفسيرات .. و بلا اسباب …
لكن غضبي سرعان ما هدأ .. وحلت محله السعادة .. فهو يكتب لي .. لي أنا فقط …
كتبت حينها رداً عليه .. وحاولت البحث عن عنوانه في الرسالة …. فلم أجده ..
 لم أجد عنواناً ……اذن فهو لا يريدني أن أكتب اليه … ولكن لم ؟!! لم لا يريدني أن اكتب اليه ؟؟!!
أرسلت ردي الى المجله .. فنشر .. ولكن ردوده أصبحت تصلني عبر البريد ….

توالت الأيام … و الكلمات بيننا جسر يصل كل منا بالآخر ..
و أحببته .. أحببته عبر السطور.. وبين نقاط الحروف  … و كذلك هو .. حبه لي .. كان يحرق الكلمات …
حاولت أن أنكر على نفسي حبه .. ولكنه كان هنا … في قلبي … آثاره تفضحها  أناملي …
عزمت حينها .. أن التقيه … و صممت على البحث عنه … فذهبت الى المجله وسألت عنه .. لم يكن موجوداً حينها .. ولكني عرفت عنوانه … فكتبت اليه .. وطلبت منه أن نلتقي ..
أعطاني موعداً غامضاً :
 (( ما بين النجوم و تحت القمر …
 حين يكسر الماء الصخر ..
 اطلبي قهوة بيضاء بدون سكر …
 و اختاري لنا .. طاولة شرقية ..
لنرى لبحر … و نسمع هدير أمواجه ..
 كوني هناك أميرة تتربع على عرش قلبي … ))
 ثم بسطور مترددة (( عزيزتي .. نحن شمس و قمر … قد لا نلتقي اليوم ولكن سنلتقي غداً )) !!

كانت لقاءاتنا بعد ذلك وهمية … نشرب القهوة البيضاء .. بين السطور .. و على طاولة من ورق .. و ننظر الى صمت العيون بين همس الكلمات … هكذا مضينا .. لم نلتقِ.. لم نلتقِ أبدا..

حل علينا ربيع وصيف وخريف .. تبعه شتاء .. شتاء ممطر .. كسا الدنيا شاعريه …
و ليالٍ باردة دفأها هو بكلماته … تواعدنا بين أرصفة الشوارع .. وفي زحام المارة في كل مكان تواعدنا…. رقصنا …. رقصنا على الحروف … و ركضنا بين النقط …
جلسنا تحت المطر … و تسلقنا خيوطه … حتى وصلنا الى الغيوم …
(( نمشي هناك تحت المطر ..
 تحت مظلة تحمينا من سياطه ..
 تمسك بيدي يدك ..
 وتقبل شفاه ساخنة عيوني ..
.فنلتقي بين السطور ..
 في دفء قبلة وهمية )) …

وفي يوم من أيام شتاءنا الممطرة و نحن على صهوة خيل في البرية .. نركض .. نجري بسعادة .. تحت القمر …وجدت بين السطور نبرة جدية …
(( فلنلتقي … فلنلتقي على أرض الواقع ..
 فالأحلام قد طال بقاؤها ويجب أن تنتهي اليوم ….))
لم أفهم من كلامه غير نبرة حزن ممتزجة بأسى بالغ …
ولكنني ذهبت .. فلم لا أذهب وحبيبي … حبيبي طلب لقائي ….
التقينا على نفس موعدنا القديم …. في مقهى النجوم … الذي لطالما تخيلنا وجودنا فيه .. معاً …
اخترت لنا طاولة شرقية …. و طلبت قهوة بيضاء … و انتظرته …
بعد قليل .. جاء … جاء هو … كان هو … كما تخيلته دوماً ..
جلس أمامي .. همس .. ((تبدين كما تخيلتك دوماً .. أميرة تتربع على عرش قلبي )) ..
تحدثنا معاً .. عن أحلامنا .. عن أيامنا الممطرة .. عن سعادتنا تحت القمر ..
فجأة قلت له بنبرة فتاة حالمة : (( فلنعش حياتنا معاً )) …
سكت برهة … و نظر الى عينيَ مطولاً … و قال: (( أتعلمين .. عيناك تبدوان فيروزيتان عند ضوء معين )) …
ثم رفع رأسه و أمسك يدي .. و بتنهيدة قال : (( إننا كائنان حبريان …
 كتبنا خيالنا معاً ..
وعشنا بين السطور … لكننا على أرض الواقع لا نلتقي ابداً … فنحن شمس وقمر ))
قلت و العبرات تخنقني : ( الم تكن انت من يقول دوماً أن مصير كل شمس وقمر اللقاء يوماً ))
-         (( نعم … ها نحن قد التقينا .. اللقاء لحظة امتاع اختلسناها من غياهب الكون … ولكن يبقى مصيرنا .. ككل شمس و قمر … الرحيل ..))
( دموع حارة تسكبها عيوني )
فتقبل شفاة ملساء جبيني .. و تقول : (( لا تبكي .. لا تبكي حبيبتي … سأكون معك دوماً في الأحلام … ففي الأحلام ..دوماً تتحق الأحلام ))
ثم مضى … مضى من حيث جاء …. من بين الكلمات …..
((و أعود … أعود لطاولتي … لا شيء معي … الا كلمات …))

"كلمات ليست كالكلمات"