Feb 25, 2013

عيد




اقترب العيد .. و تزينت البقرات بأطواق الورد الملونة بألوان الربيع تارة ... و الشتاء تارة أخرى
الأطفال يرقصون في كل مكان ..
يسوقون بقرة العيد من السوق الى المنزل .. لتعيش معهم عدة أيام تحظى فيها بأفضل رعاية..
حتى يوم العيد .. عيد الأضحى المبارك

دُعيت لقضاء العيد في منزل صديقي عمران في مدينة شيتاجونج
ولكوني أقضي العيد لأول مرة بعيدا عن البيت وبعيدا عن أسرتي
رحبت بفكرة قضاء العيد مع العائلة

استيقظت فجر العيد على صوت أذان الفجر
فتحت عيني ببطء و نظرت الى الغرفة الشبه مظلمة حولي
أحيانا أحتاج الى عدة ثواني للإستيعاب بأني لست في البيت بل هنا في بنغلادش
قمت بحماس يوم العيد .. و أنا أنشد أغنية العيد المفضلة لدي
لبست البنجابي الجديد الذي أخذني عمران لشراءه من أرقى محلات شيتاجونج
لم يكن غالياَ بمقاييسنا .. ولكنه باذخ هنا .. لا يهم
وددت أن أحتفل بالعيد على الطريقة البنغلاديشية
أخضر مزخرف بورود بنفسجية مشكوكة بعناية بقطع الترتر الملون
بدا جميلاً جدا ... مشرقاً .. و ملائم تماماً ليوم العيد

اصطحبنا عمران الى منزله .. أهديناه باقة من الورود المحلية  .. و علبة حلوى

دخلنا الى المنزل .. رائحة اللحم المطبوخ تفوح في المكان
وضوء النهار الخافت يتسلل من نافذة و حيدة في الصالة
لم يكن منزلهم كبيراً ولكنه كان نظيفا .. عدة كنبات على الطراز الغربي و طاولة طعام

********************

لم يختلف العيد في بيت عمران كثيراً عن العيد في بيتنا البعيد في القطيف
تناولنا اللحم المشوي في الغداء .. عيد مبارك للجميع
أتى المهنئون بالعيد من أطراف العائلة للسلام على الوالدة العجوز .. و خرج الصغار للعب في باحة المنزل
احتسينا الشاي و تناولنا قطع الحلوى
انتهى يوم العيد
عيد في أي مكان عدت يا عيد 

Feb 23, 2013

أين طفولتي ؟


نمت بيني وبين ايكاترين صداقة حميمة ...
طبيبة الأطفال الجورجية الشقراء .. تبدو من الخارج رصينة و غير مكترثة بالآخرين
ولكن حين تبدأ بالتعرف عليها .. تبدأ طبقات الرصانة بالإستسلام طوعاً لتكشف رقة متناهية ..
أصبحنا نتحدث عن شتى أمور الحياة .. نناقش حالات المرضى .. تحدثني عن بلادها وأحدثها عن بلادي..

في يوم من الأيام ... خرجنا لتناول الآيس كريم بالفانيلا ..
 ملعقة صغيرة محشورة في كوز البسكويت..
هنا لكل شيئ متعة خاصة .. فليس في كل يوم أستطيع الحصول على آيس كريم بهذه الجودة..
قضيت على الآيس كريم بسرعة .. حتى شعرت بذلك الألم الشديد في الرأس فجأة ..
ضحكت ايكاترين و أكملت تناول آيس كريمها بالملعقة بهدوء ..
أنتِ متهورة ... قالت لي

********************************

بعد ذلك انطلقنا الى شاطئ البحر ..
كانت الغيوم تظلل شمس الظهيرة على شاطئ كوكس بازار الرملي المعروف بأطول شاطئ رملي طبيعي في العالم
عشرات السياح المحليون بقبعاتهم الملونة و ملابسهم "الرياضية" يستلقون على الشاطئ

جلسنا أمام  الامتداد الجميل للبحر و الأمواج العالية..
جائنا طفل في نحو الخامسة أو السادسة  طالبا المال , حاول أن يغني لنا لنعطيه المال
قالت لي إيكاترين : من باب المبدأ يجب أن لا نضعف و نعطيه لأن ذلك يساهم في تشجيعهم أكثر حيث أن هؤلاء الأطفال بالغالب يتبعون لعصابة تأخذ منهم الأموال
قلت : اتفق معك تماما .. يجب أن يكون الهم الوحيد للأطفال في العالم هو اللعب


اعتدلت في جلوسي وبدأت أصنع جبلا من الرمل
قلت له بلغة مكسرة .. انظر لنصنع جبلاً
تحرك الطفل بسرعة .. وقد بدا مستعدا لفعل أي شيئ لإرضائي
وبدأ جمع الرمل ... تكوين جبل .. ثم تزيينه بالأصداف
وكأنه قام بفعل ذلك عشرات المرات
لم يفهم الطفل أنني أحاول اللعب معه .. لم يفهم أن في الحياة أمور نقوم بها من اجل المتعة لا النقود
بدأ مشواره في البحث عن لقمة العيش .. و سُرقت طفولته ..
حتى لم يبق منها منها سوى العينين الحائرتين اللتين يستخدمهما في جلب الاهتمام

Feb 22, 2013

ملاك


بينما أنا جالسة على المقعد في العيادة و المروحة في دورانتيها المنتظمة  تهب علي بنسمات باردة تخفف لهيب هذا اليوم المشمس
سمعت أصوات خطوات مسارعة  وكلام فهمت منه No money

أطللت برأسي للممرضة وقلت أدخليهم
دخل رجل عجوز يحمل طفلا ملفوفاً ببطانية
و امرأة خلفه تولول
وضع الطفل على السرير أمامي
كان مغمض العينين .. وشحوب شديد يغلف بشرته الناعمة
فحصته .. لا نبض

دارت بي الدنيا ... ولاحت جميع المعلومات التي تعلمتها في دورة الانعاش القلبي
اختفى المكان .. ولم أعد أرى سوى الطفل المسجى أمامي .. وحركة يديّ المنتظمة فوق صدره ..
وصوت الأم تنوح كالطير الحزين يصم أذني ..

أيتها الروح الطاهرة .. عودي لهذا الجسد ..
أيها الملاك الصغير ... لا تستعجل الرحيل
يا رب .... يا رب .. هبه الحياة ... وهبني الوسيلة لمساعدته ..

لا استجابه .. لا نبض ..
دخلت فاميدا -الطبيبة البنغلاديشية- الحجرة , سألت العجوز : منذ متى؟
ترجمت لي بالانجليزية : ساعتان , توقفي ندى .. لا فائدة

ابتعدت ...
 في رحمة الله .. قلت بالعربية ...

انهارت الأم .. و حمل العجوز الطفل من السرير
ومضوا ..
تاركيني استمع الى الا شيئ ... سوى دوران المروحة ..
ودموعي التي تأبى غسل روحي ...


Feb 14, 2013

الى البيت ..




طريق العودة
في تمام الرابعة ...
ينتهي الدوام الرسمي ... و تخرج بولين للجلوس على العتبة الخارجية للمستشفى معلنة الانتظار للذهاب الى البيت
عادة باتت محببة لنا بعد مدة
 فيبدأ الجميع بجمع أقلامهم و سماعاتهم و أوراقهم ..

 يخلع جونثان ( الطبيب الاسترالي ) عنه معطف المستشفى الأبيض و يحمل حقيبته الجلدية  ...
تضع إيكاترين شالها الملون على كتفيها حتى في الجو شديد الحرارة ,حيث قيل لها بأن المرأة التي لا تلبس الشال تعتبر فاسقة في العرف المحلي...
و يأتي عمران من مكتبه مرتديا قبعته الخاكية

يخرج الجميع الى الردهة الخارجية .. و يركب كل في مكانه المخصص في السيارة ...
أجلس أنا بين بولين الممرضة الاسكلتندية و ايكاترين الطبيبة الجورجية .. 

يعلن جلال , مدير المستشفى الستيني الوقور: الى البيت ...

*******************************

في هذا الصندوق المتحرك نتجانس نحن الغرباء من عوالم بعيدة جدا 
و نتشارك في مسافة مكانية حميمة وسط زحام الطريق و رطوبة الجو...
 لنستمع الى لحن أغنية بولودية يحب عمران و ضعها ليذيب تعب يوم شاق و حرارة رحلة قد تتجاوز أحيانا الساعة...

تبدأ بعدها النقاشات في مواضيعهم المفضلة.. السياسة و الدين  ..
 تغفو بولين على كتفي و أنا مازلت أشرح لجونثان عن عالمنا العربي ..
ثم يبح صوتي و يبقى صوت عمران و جونثان يناقشان ويناقشان ...
حتى نصل ... الى البيت .. البيت بعيدا عن البيت 

Feb 6, 2013

على حافة الحياة

 Hope Hospital October 2012

طفلة صغيرة .. التهم المرض شهورها التسعة
وجعلها ممّدة بلا حراك على سرير المستشفى
تجلس والدتها بجانبها .. تمسح شعرها بلطف .. بخرقة مبتلة
لعل حرارة جسدها تهبط وتعود لتفتح عينيها وتلعب .. و تبتسم .. و تناغي ... و تمسك يد الأم ..

تعرف الأم فطرياً بلا أن يكون لها معرفة بالطب ... أنها فقدت طفلتها الى الأبد ..
ولكن الأمل .. و عاطفة الأمومة .. يرغماها على المواصلة ..
يأتي الوالد .. بإزاره القديم وبلوزته الممزقة .. و عينيه المكسورتين ..

يقف الأطباء حول السرير .. و أقف أنا معهم .. محاولة الهرب بعيوني في كل الاتجاهات عن عيون الأب الباكية ..
لقد فعلنا كل ما بوسعنا .. لا نملك المعدات اللازمة لنفعل المزيد .. تحتاج الى مشفى متخصص
تدور الدنيا بالأب ...  الرجل المحب لأسرته الصغيرة ..
ويتمزق في الاختيار .. بين طفلته التي تقع على حافة الحياة ..
وجميع ما يملك ...
أطفاله الجائعين في المنزل .. والدته العجوز ..
المنزل الصغير .. و طريق الوصول الى المدينة ..

بصيص من الأمل ... نبيعه نحن الأطباء في كلمه واحدة .. و يدفعون هم ثمن الخيار غالياً ..
أراه يتناقش مع زوجته .. تبكي و تحتضن طفلتها ..
يجلس الأب على حافة السرير .. بعيون خالية ..
 متجنباً النظر الى طفلته ... متجنباً سماع صوت زوجته الباكي ..
و كلمة واحدة تعبر عن المشهد .. العجز ...
فيطبق الفقر على روح بريئة أخرى ...