Feb 8, 2004

مرآة مكسورة للأحلام (2)


لوحة بديعة .. داخلها روح بيضاء..
شمس و قمر .. سواد وبياض..قلب وعقل… حياة و موت ..
تناقضات .. إنها تناقضات …
تحيط بها .. ألوان .. أزرق كلون البحر… زهري  كلون الورد … " وفيروزي كلون عيوني"…
أعجبتني اللوحة .. في تناقضاتها .. في هدوئها … و ثورتها …
صممت على اقتناءها ….
أشرت إلى صاحب المعرض .. فجاءني بابتسامة عريضة ..
قال : عرفت أنك ستقفين عند هذه اللوحة ..
قلت ساخرة : وكيف عرفت ذلك ؟
رد بهدوء: سبب يحتاج لقهوة بيضاء ليقال …
نظرت في عينيه جيداً .. فوجدت لمعاناً أربكني ..
أشار اليَ برأٍسه .. فلحقت به …
ومشينا عبر الشوارع المزدحمة إلى مقهى منعزل …
اسمه مقهى " النجوم" ….
إنه نفس المقهى الذي … الذي تواعدت فيه مع كائني الحبري…
في مسرحية عشت فصولها …
أشار اليَ بالجلوس …
وعلى نفس تلك الطاولة جلسنا ..
ننظر إلى البحر ..
كان ارتباكي و تعجبي من المكان قد جعلني أتحاشى النظر إلى عينيه ..
حتى قال : هانحن هنا …. في نفس المكان …

لا لم يكن هو نفسه .. ذلك الشخص … كان شخصاً مختلفاً …
نظرت إلى عينيه …
و تذكرت صورة الرجل الآخر …
لا قطعاً ليس هو …
ولكن عيونه … عيونه تجسد بطل مسرحيتي….
وصوته … صوته هو ذلك الصوت … الذي كنت اسمعه حينما كنت اكتب ….
سألني : ألا تسألين من أنا ؟
أجبت بعد صمت طويل : ولم أسألك من أنت ؟! لتخبرني باسمك ؟! لا أحتاج لمعرفة اسمك .. فأسخف ما نحمله  يا عزيزي الأسماء …
ثم بهدوء : أنت .. أنت الخارج من أحلامي .. من دفاتري .. عيناك … صوتك .. كل هذا مألوف لدي …
ولكن سؤالي لك هو : كيف تعرفني ؟!
-         كيف أعرفك ؟؟ قولي كيف لا أعرفك …. فقد كنت معك طوال مسرحيتك .. أرسمك … بريشتي … و أتخيلك … في أحلامي …
هذه اللوحة التي رأيتها اليوم .. تمثل روحك .. كما صورها لي خيالي …
بتناقضاتها … بهدوئها الظاهر … و صمتها الساخر .. ببياضها الشفاف…. و زرقتها النقية …
هذه لوحة من بين عديد ..
بعضها ألقيت به للتخلص من نوبة الرسم التي أصابتني .. من جراء قراءتك .. وبعضها سوف ترينه مستقبلاً …
-         ولم ليس اليوم ؟
-         حتى أتأكد من أنك سـتأتين غداً .
ابتسمت نصف ابتسامة و قلت : سآتي … سيجبرني فضولي ..
نظر إلى ساعته … ثم استأذن وقال برقة :أراكِ غداُ حلمي ….
و غادر…
جلست أنظر إلى الكرسي الخالي أمامي …
و أفكر ….
فعندماً رحل الآخر .. ترك بركاناً يغلي في داخلي …
و الآن ..وبعد أن هدأ البركان …
يعود ليثور مرة أخرى ..
مؤذناً بخراب جديد … ومغامرة جديدة … و حب جديد … حب … خارج من قلب البركان الأول …
غادرني … والسماء قد ازدادت زرقة …
و القمر … ازداد لمعاناً …
إنني أعرف هذه المشاعر .. بالطبع أعرفها …
ألم أعايشها من قبل ؟!
عدت إلى البيت و رأسي مليء بالأفكار .. التخيلات … و التساؤلات …
أخذني في اليوم التالي… لأرى لوحاته ..
-         تستطيعين فتح عينيك الآن ..
فتحت عيني فوجدت لوحة…. لم أر مثلها من قبل …
رائعة في تفاصيلها الدقيقة … في معانيها العميقة … في تناسق ألوانها …
كانت أجمل من أي شيء رأيته من قبل … شيء يفوق الوصف ..
كتب أسفلها :" أميرة تتربع على عرش قلبي"
عبرت في مشهد واحد .. عن كل لحظة عشتها … أو تخيلتها …
عن كل شعور أحسسته .. . أو حلمت به …
نظرت إليه ..إلى تلك العينان السوداوان ..
وفتحت فمي .. لكن الكلمات لم تخرج …
ولأول مرة في حياتي … لم أستطع التعبير …خانني لساني .. هذه المرة ..
ضغط على يدي برقة .. وقال : لا تقولي شيئاً ..
بل اكتبيني … اكتبيني قصيدة .. خاطر ..قصة … لا يهمني ..
فهكذا أحببتك .. وهكذا سأعشقك …
فلقد كنت حتى اليوم أغار من بطلك … تكتبين إليه … ولا تكتبين إليَ ….
و هكذا … مرت الأيام …
أنا الكاتبة .. و هو الرسام .. نكسم ( نكتب ونرسم ) قصتنا معاً ….
قصة … اشتبك فيها الخيال بالواقع .. و اختلطت الأمور …
قصة ارتديت فيها فستان كرزي … و عقد لؤلؤي …
ولبس هو فيها بذلة سوداء … وقميص أبيض …
ورقصنا … تحت ضوء القمر …
في ليلة من ليالي ألف ليلة و ليلة ….
التقينا كل يوم ….على طاولة من ورق ..
يحيط بنا البحر …
فبثورانه … وهديره .. تتكون قصائدي المتمردة … ولوحاته الثائرة ….
وبهدوئه ورقته .. تتكون خواطري الناعمة … ولوحاته الرقيقة …
أخذني من عالم الوهم … إلى عالم الخيال…
حيث بنى لي هناك ..قصر فوق الغيوم ..
قال لي مرة : أوليس حبنا أجمل من أن يعاش في الأحلام ؟
-         لا حبنا أجمل من أن يعاش على أرض الواقع … فالواقع مجرد مرآة مكسورة للأحلام …
 ولكن حبنا .. خليط من هذا و ذاك ….. فلسنا كائنان حبريان .. بل بشريان …
نحب و نكره .. نفرح و نحزن …
أولم يقولوا أن نصف الحب خيال …
-         لا بل قالوا أن الخيال نصفه حب …
رفع رأسي بين يديه .. ونظر إليً ….نظرة ملأها الحب …
نظرة أجابت عن كل أسئلتي في الحياة …
نظرة لو تجمدت الدنيا .. لبقيت تدفئني …
ثم أمسك بيدي بين راحتيه وطبع قبلة دافئة عليها …
سرت رعشة باردة في جسمي …
قال : أقدرنا أن نعيش هكذا ؟ نطارد السحاب فلا نلحق به …. و إن لحقنا به … نكتشف أنه مجرد بخار ماء … لا نستطيع لمسه !!!؟
ضغطت على يده بحب … وقلت بصوت ..لم أتوقع يوماً أن يصدر مني :
نعم …. هكذا نحن … حبنا أسطور جميلة .. نعيشها على الورق … ولكن على أرض الواقع …
هي كذبة بيضاء … ستحسب علينا …
فالحب يا عزيزي ….
" الحب ليس رواية شرقية … بختامها يتزوج الأبطال …
الحب هو الإبحار دون سفينة .. وشعورنا أن الوصول محال …"
تركت يده .. وقمت من مكاني .. لأطبع قبلة على جبينه و أمضي ….
دون الرجوع إلى الخلف …. فالماضي … ابداً لا يعود ….


ندى الناجي
2004